حسام غرايبة يكتب :حمدا لله على السلامة كلنا غضبنا كما غضبت*

لقد ذهب الملك الى واشنطن متسلحا بكل مااستطاع ان يحشده من ادوات وعناصر (توافق عربي، وتصريحات زعماء دول اوروبية، ولقاءات من مراكز صناعة القرار في امريكا) تمكنه من تقليل الخسائر خلال لقائه بترامب، الذي سبق له ان تعامل بفوقية واستعلاء بل واحيانا باهانة مع العديد من زعماء العالم.لقد كان اللقاء صعبا جدا على ملك يتحلى بإرث اخلاقي وقيمي وانساني ورثه كابرا عن كابر، لكنه ايضا يوازن بين الشجاعة والفروسية وبين عدم القاء البلد والاردنيين في اتون مواجهة صفرية في بداية العهد الثاني لترامب.الامر لم يكن يحتمل مواجهة اعلامية مع ترامب امام شاشات التلفزة والصحافيين، لان الاهم لنا في الاردن هو الوصول لنتائج بعد اجراء حوار مطول وفرد الاوراق جميعها بعيدا عن الاعلام والاستعراض الشعبوي الذي يتقنه ترامب جيدا بل ويحب الدخول في حلبات المصارعة هذه. وهذا مافعله الملك وفريقه فراينا كيف تغيرت لهجة ترامب بعد اللقاء، واستمعنا للمتحدثة باسم البيت الابيض التي ذكرت صراحة ان الملك رفض بشدة فكرة التهجير، وكتب الملك رايه الواضح على منصة اكس مباشرة بعد انتهاء اللقاء، فالذي يبحث عن النتيجة عليه ان ينظر للتصريحات بعد اللقاء ولا ينظر الى اللقاء الصحفي الشعبوي قبل اللقاء.لكن للاسف فان البعض استند على اللقاء الاعلامي القصير والفخ الواضح الذي حاول ترامب ايقاعنا به، فأخذ يوجه سهامه للاردن وللملك شخصيا، لكن هذا قدر الهاشميين ان يتحملوا ظلم الاقرباء والاصدقاء قبل الاعداء، وان ينظروا للمسائل نظرة استشرافية مستقبلية حكيمة تسعى للحفاظ على ماتبقى من تضامن وحق عربي تجاه القضية الفلسطينية.لكن هل هذا يعني زوال الخطر؟ بالتاكيد لا، والمعركة الحقيقية بدأت الان، فالاردن معني وبشدة بالتعاون مع السعودية و مصر لبلورة موقف عربي واضح ومحدد، وهذا الموقف لابد من ان يكون مسنودا ومتفقا عليه مع الفلسطينيين الذين مازالوا غير موحدين ولاتجمعهم كلمة ولا مشروع واحد حتى اللحظة.من حقنا بل من واجبنا كاردنيين ان نشدّ من عزيمة ملكنا، وان يعلم الملك ان شعبه يقف معه بقوة في رفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن، وان شعبه مستعد للتحمل في سبيل استقرار البلد مهما تعرضنا لضغوط. وهذا يمكن ترجمته عمليا لا بالشعارات فقط او المهرجانات الخطابية، والترجمة العملية تكون بتعزيز وحدتنا الوطنية، وتقوية جبهتنا الداخلية، ونبذ كل عناصر الفرقة والخلاف بيننا كاردنيين. و أن نبقى واثقين بربنا اولا وبقيادتنا وبلدنا وبانفسنا، وان لانجعل الشكوك والتخرصات هي لغتنا البينية.اما الحكومة واجهزة الدولة فعليها ان تنفتح على مكونات المجتمع على قاعدة الاحترام والشفافية والمصارحة والمشاركة، وان تعلم يقينا ان العشائر الاردنية و مؤسسات المجتمع المدني من احزاب وإعلام ونقابات واتحادات طلبة هي ادوات فعل حقيقة تعمل لصالح الوطن وان لايتم التعامل معها كأخطار وتهديدات ثم التفكير بضرورة السيطرة عليها وتهشيمها لان ذلك يفرق ولايجمّع، يشتت ولا يوحد صوتنا، والدولة معنية اليوم بتجميع الناس حولها لا بزيادة الاحتقانات والشكوك.رفع معنويات الملك تكون بالتزامنا بالقانون والعمل بجد واخلاص في مؤسساتنا، وان نوقف الهدر والرشوة والفساد كبيره وضغيره، وان ننطلق بجدّ في مسارات التحديث الثلاثة (سياسية وادارية واقتصادية) وان نعتمد على ذاتنا وان نكف عن توجيه سهامنا لبعضنا البعض، فالخطر القادم يهددنا جميعا دون استثناء.سيبقى الاردن بحول الله قويا بقيادته وشعبه ومؤسساته، وسنتجاوز هذه الصعاب كما منّ الله علينا وتجاوزنا أكبر منها.
