+
أأ
-

تَعَلَّم لتلعب، والْعَبْ لتتعلم : جونتر بيلتزيج

{title}
بلكي الإخباري   يُطلَق على المساحة الحضرية المجهَّزة بزلّاقة وأرجوحة (ساحة لعب). ومعظم هذه المساحات يصممها مهندس مناظر طبيعية، ولكن لا يوجد حتى الآن أساس أكاديمي لنظرية تصميم مساحات اللعب، برغم وجود أساس أكاديمي لتصميم المقابر. كما أن كَمّ المعرفة المتعلقة بسلوك الأطفال ـ الذي جمعه التربويون، والأخصائيون النفسيون، وعلماء الأعصاب ـ لم يدخل تصميم ساحات اللعب بعد، ومن ثم فمعظم هذه الساحات لا تحفز على اللعب، وما يُحْدِثه اللعب من نمو جسدي، ووجداني، واجتماعي، ونفسي. يُدرَّب المصممون على الإبداع وحل المشكلات، وعلى استخدام علم المواد، وعلم الإنتاج، لكن تكوين بيئة ملائمة للأطفال يتطلب منك أن تعمل كأخصائي في علم الإنسان يحترم «اختلاف» الطفل، على أن تتعلم اكتشاف احتياجاتهم وقدراتهم وأهدافهم من خلال الملاحظة التأملية (انظر: «القواعد الست لمساحات اللعب»).   أنْ يكون الإنسان طفلًا.. معناه أن يمر بعملية تغيير سلسة ومستمرة، فأيًّا كان الذي يستطيع الطفل فعله اليوم، ربما لم يكن يستطيع تحقيقه بالأمس، وأيًا كان ما سيفعله اليوم، من الممكن ألا يفعله غدًا. هذا «التجديد» المستمر، وتغيُّر الرأي، والتطور السيكولوجي، يأتي في صورة موجات، وليس على وتيرة ثابتة، فالبعض ينمو مبكرًا، والبعض تأتيه موجة التغيير متأخرًا. يؤدي التطور المستمر في الجسم والعقل إلى نوع من التخاطب والتكامل المستمر بين القدرات الداخلية التي يمتلكها الطفل. وهذا التجريب الذاتي، الذي يهدف إلى العثور على هذه القدرات، يسخِّر الخيال العفوي، والإبداع، وحب الاستطلاع بدون تحيز، وهذا هو ما يشكل ماهية اللعب. فأصل التعلم ليس فقط بالعقل، ولكنه يجمع الحدس، والإحساس بالجسد، مما يؤدي إلى التعلم باستخدام كيان الشخص بأكمله. فالتعلم يُعتبر اكتشافًا بلا هدف محدد، وهو يتم من خلال التجريب في عالَم يكون فيه الطفل هو صانع القرار، وليس المُقَرَّر له. ويحتاج الطفل إلى الوقت، وحرية الإمكانيات، والمساحة لمثل هذا النوع من التعلم. وبالنظر إلى طبيعتنا التي تزداد تَمَدُّنًا، تكون هذه المساحة هي ساحة اللعب. تؤثر خصائص المجتمع المحلي على تصميم ساحة اللعب إلى حد ما. فالضواحي تختلف فيما بينها اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وسكانيًّا، كما أنها تختلف من ناحية التضاريس، وتختلف أيضًا من حيث البِنْيَة التحتية، ودرجة التمدُّن. أما داخل ساحة اللعب، فيحدد التصميم وطبيعة معالم المكان سلوك الأطفال، ومن ثم يجب أن تطلب تصميمًا واعيًا بهذه الأمور؛ لضمان تلبية احتياجات الأطفال على المستويين.. الفردي، والجماعي. وبالنسبة إلى العناصر المتعلقة بالتسلق والتوازن، مثل السلالم، والحِبَال، والكباري المعلَّقة، فهي ترسخ لمبادئ التخطيط، وحل المشكلات، والتنسيق المادي، والتحكم الجسدي، وإدارة المخاطر، وتحسين زمن الاستجابة للمشكلات، بالإضافة إلى فَهْم القدرات، ونقاط القصور. ومن ثم، ينبغي دومًا أن تكون معدات التسلُّق جزءًا من منظومة أكبر، بحيث يكون لها هدف بعيد المدى، مثل جعْلها تمثل طريقًا مختصرًا، أو طريقًا للوصول إلى منصة. أما إذا كانت منعزلة؛ فستؤدي إلى نزاعات على المكان. أما عن الأبراج وبيوت اللعب مرتفعة المستوى، فهي تقدم آفاقًا مميزة، حيث تقدم تجربة رؤية العالم بشكل مختلف من أعلى؛ مما قد يُشْعِر الطفل بالتحوُّل. ومن ثم، فالتشكيلات المرتفعة لها شعبية كبيرة، وتحتاج إلى طرق مختلفة للصعود إليها، والنزول منها في آن واحد، كما أن بِنْيَتها يجب أن تكون متينة للغاية. تسمح المساحات المشتركة بتنمية تأكيد الذات والذكاء الاجتماعي. أما المِساحات الهادئة، حيث أحلام اليقظة والاسترخاء، فتقدِّم الفرصة للتأمل، والتفكير، والهروب. ومن ثم، فيجب وضع بيوت اللعب المصنوعة من الخيزران، أو التجاويف الموجودة في الشجيرات أو الأكواخ منخفضة المستوى، الخاصة باللعب الهادئ، في مكان بعيد عن الأدوات ذات الشعبية الأكبر. ينبغي أن تحاكي صناديق الرمال التجاويف الطبيعية، بأنْ يتم حفرها تحت مستوى الأرض؛ لتجنب خسارة الرمل، حيث إن هذه الصناديق تشجِّع على استكشاف المواد، وعند الجمع بينها وبين بعض الأدوات، مثل الحفارات والعربات، بغرض الحفر ونقل الرمل، فإن ذلك يشكل فرصًا لتنمية اللياقة البدنية، والعمل الجماعي، مع تحصيل الخبرة الفنية. ينبغي أيضًا أن يكون للأشكال دور وظيفي إلى جانب الدور التجميلي، فالأطفال لا يشاركون الكبار بالضرورة في ذوقهم بالنسبة إلى النواحي الجمالية، فهم يهتمون أكثر بالأشكال البسيطة التي تتسم بالوضوح، أكثر من كونها تمثيلية، بحيث يمكنهم تكييفها وفقًا للعب التخيُّلي، فيمكن مثلًا لجذع الشجرة أن يكون حصانًا، أو دراجة بخارية، ويمكن لسلة المهملات أن تكون مركبة فضاء. تحتاج مساحات اللعب التي تشمل كافة الأطفال ـ على اختلاف قدراتهم ـ إلى تصميمات خاصة. فعلى سبيل المثال.. فمجال الرؤية لدى الأطفال ذوي الإعاقة السمعية محدد، ومن ثم يجب أن يتم تحريك العناصر بطريقة مميزة للغاية، بأنْ تكون ألوانها مختلفة مثلًا. أمّا الأطفال ذوو الإعاقة البصرية، فهم يحتاجون إلى أماكن آمنة، تميزها حواجز، أو أسطح مختلفة. وبالنسبة إلى الأطفال الذين يستخدمون الكراسي المتحركة، فيحتاجون إلى اهتمام كبير بالأسطح والأبعاد، ووضع بعض عناصر اللعب بطول الممرات، مثل الهواتف الأنبوبية. هذا.. ولا توجد ساحة ألعاب مثالية، فعندما أشاهد الأطفال يلعبون في إحدى ساحات اللعب التي صممتها، أجدهم يستخدمونها للعب بطرق لم أفكر فيها. وإذا أردنا تمكين الأطفال من التجريب بحُرِّيَّة وفضول من خلال اللعب، فعلى أخصائيِّي علم النفس الإنمائي، ومصممي ساحات اللعب أن يجدوا أرضًا مشتركة.. إذ إن عالمنا المتمدِّن مُعَادٍ للأطفال، ومن ثم، فإنشاء ساحات لعب تحترم ما يحتاجه الصغار ويريدونه، يُعَدّ أمرًا أساسيًا في رأيي؛ من أجل تحسين المجتمع تحسنًا شاملًا.
  • المصمِّم المختص بالصناعة وساحات اللعب، هوهينفارت – ألمانيا.