بورتريه .. تيسير السبول : رحلة المبدع الاخيرة

بقلم : هشام عودة
اذا كانت تلك الرصاصة التي حطمت راس تيسير السبول في ظهيرة يوم خميس تشريني من عام 1973 لم توقظ الموتى ، على حد تعبير زوجته الدكتورة مي اليتيم ، فانها انهت حياة شاعر وروائي اردني متميز ، كان على وشك الاحتفال بعامه الرابع والثلاثين.
الرصاصة ذاتها كانت صرخة احتجاج مدوية من فتى جنوبي ، على واقع سياسي عربي مترد ، بعد رؤيته للنتائج السياسية لحرب تشرين عبر مفاوضات خيمة الكيلو 101 ، التي فجرت في داخله خيبات متراكمه عاشها بوعيه عن نتائج هزيمة حزيران عام ,1967
تيسير السبول المولود في مدينة الطفيلة عام 1939 ، هو اصغر اشقائه وشقيقاته التسع سنا ، انهى دراسته الثانوية عام 1956 في كلية الحسين بعمان ، لتبتعثه الحكومة لدراسة الفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت ، باعتباره واحدا من اوائل الثانوية العامة في العاصمة ، لكن طبيعة الحياة في تلك الجامعة لم ترق لهذا الفتى الذي كان منحازا لافكاره القومية ، فغادر العاصمة اللبنانية ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة دمشق ويتخرج منها محاميا.
السنوات التي قضاها تيسير السبول طالبا في جامعة دمشق ، كانت الاكثر حراكا في حياته الشخصية ، ومثلت محطة مهمة في مسيرته:
ـ فقد عايش الشاب مثل ابناء جيله وحدة مصر وسورية في اطار الجمهورية العربية المتحدة ، ليصاب بخيبه امل كبرى عند حدوث الانفصال .
ـ وفي تلك السنوات كرس تيسير نفسه شاعرا في الاوساط الثقافية السورية ، وكتب قصائد مجموعته "احزان صحراوية" التي قدمته شاعرا مجيدا ، وحظيت لاحقا بمتابعة نقدية تستحقها ، كما نشر في اهم المجلات الادبية المتخصصة في تلك المرحلة.
ـ الانفصال الذي مزق وحدة مصر وسورية عام 1961 ، واجهه تيسير السبول بوحدة من نوع اخر ، حين اقترن بزميلته في الجامعة الدكتورة مي اليتيم ، التي حملت لاحقا كنية "ام عتبه".
منذ تخرجه من الجامعة عام 1962 ، ظل القلق رفيقا له في حياته الشخصية والمهنية ، فقد عمل لبعض الوقت موظفا في ضريبة الدخل ومن ثم في الخطوط الجوية ، قبل ان يلتحق بمكتب المحامي صليبا الصناع متدربا ، وبعدها خلع تيسير "روب" المحاماة ، وسافر مع زوجته الطبيبة البحرانية الى بلادها ومن ثم الى السعودية ، لكنه ضاق ذرعا بالغربة ، فعاد ادراجه الى عمان ليكمل تدريبه كمحام ويفتتح له مكتبا خاصا في الزرقاء ، يغلقه بعد فترة قصيرة ليلتحق بالاذاعة الاردنية وقدم من خلالها برنامجه الاذاعي الشهير مع الجيل الجديد ، وهي الوظيفة التي قضى فيها السنوات الاطول في مسيرته المهنية ، وتابع خلال وجوده في الاذاعة تداعيات عدوان حزيران 1967 ونتائجه على الوطن والامة ، لتلد بعد ذلك روايته "انت منذ اليوم" التي مثلت صرخة ادبية حادة في وجه الانكسار ، وحازت على جائزة الرواية العربية عام ,1968
روايات ومسرحيات وقصائد كثيرة كتبها تيسير السبول في حياته القصيرة ، لكنه مزقها في بحثه الدائم عن اسلحة قوية يحارب بها في جبهاته المتعددة ، لتقوم زوجته بعد رحيله باصدار اعماله الادبية الكاملة ، حتى تكون متوفرة بين يدي القراء والدارسين.
الحديث عن تيسير السبول ، هو حديث عن ظاهرة ادبية اردنية ظلت متميزة ، حتى بطريقة غيابها ، لذلك كان طبيعيا ان تقوم رابطة الكتاب باطلاق اسمه على احدى جوائزها الادبية ، وان يتحدث عنه زملاؤه ومسؤولوه في الاذاعة باحترام وتقدير ، انطلاقا من احساسه العالي بالمسؤولية الوطنية والقومية ، وكانت زيارته لفلسطين المحتلة عام 1972 محطة هامة من المحطات التي تركت اثرا عميقا في مسيرته اللاحقة.
رسائله لصديقه الاديب المحامي صادق عبدالحق تحمل الكثير من ملامح فلسفة تيسير في الادب والحياة ، ويمكن لها ان تقدم مفاتيح مهمة لقراره بالانتحار الذي نفذه في الخامس عشر من تشرين الثاني ,1973
عشرات الدراسات النقدية تناولت ادب تيسير السبول ، شعرا وسردا ، وعشرات الدراسات ايضا تناولت قراره الحاسم بالرحيل الفاجع ، حين سقط مضرجا بدمه في منزله بماركا ، لكن الاديب الاردني الذي اصيب بخيبة امل في حلمه القومي ، اصبح احد اعمدة المشهد الثقافي الاردني المعاصر ، واحد الاسماء الكبيرة التي احتفى بها المشهد الثقافي العربي.